shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


مقالات                      

تفاصيل المقالة
عجز وليس مؤامرة 
  إفتتاحيات مجلة المثقف العربي

  العدد 28-29     صدر بتاريخ (2003)

الآن حصحص الحق, واتضح الصدق, ولم يعد لدى العرب ما يخبئونه, لقد ظلمت الدول العربية حكامها بالتهم الكبرى, ويأتي في مقدمتها تهمة التآمر على شعوبها وبيع الكرامة والحاضر والمستقبل مقابل البقاء في السلطة ولقمة العيش المهينة.
وقد رد الحكام على شعوبهم بتوجيه تهم وتلفيقات مضادة ونصبوا المحاكم والسجون والمشانق, وابتكروا العقوبات الجائرة والتعذيب النفسي والجسدي وقتل الحياة والمستقبل لأي فرد كان، إذا رفع صوته بالاستنكار, وخرج على صفوف الطائعين الخانعين, المسبحين بحمد السلطان.
وقد لاقت أعداد كبيرة من نوابغ الشعب, وأصحاب الدماء الساخنة, والمندفعين للتغيير من خلال السلطة والحكم تهماً قاسية ومريرة, منها ما هي صحيحة نسبياً ومنها ما هي باطلة كلياً, كالعمالة, والجاسوسية, وقلب نظام الحكم, والإرهاب, والتورط والاختلاس, والخيانة العظمى للوطن, والمخدرات والتلبس بالرذيلة.
ولم تعجز الأنظمة عن صياغة قوانين وعقوبات ومحاكم وقضاة وسجون, وقتلة لمواجهة هذه الطائفة الشاذة عن عامة الناس, والخارجة عن حظيرة القطيع, وعصيان الراعي, ولكن المشكلة لم تتوقف عند هذا الحد وكفى، بل أفرزت عداوات وحقداً, وضغائن, وشائعات وفتاوى بالرِّدَّة والكفر, وقابل ذلك العنف عنفٌ مضاد, يتمثل في الأحكام العرفية, والقمع الجسدي, والحرمان من الوظائف, وقطع العيش, وتسليط وسائل الإعلام, وتبني تيارات أكثر تطرفاً, وأشد حقداً, وانشغلت فئات الشعب, وطوائف المتدينين, والمتطرفين من كلا الفريقين بالصدام, والمواجهة, وحاول كل فريق أن يتقن كيف يرهب الآخر ويلوح بالبطش, ويضرب بيد من حديد, وآخرون يهلكون الحرث والنسل حتى أصبحت ظاهرة الصراع تشغل الأنظمة, والشعوب, والأحزاب, والإعلام, وحديث الشارع والقمة, وكُلٌّ يقذف الآخر بالإرهاب, والردة والكفر والإساءة للوطن وللدين, وفي ذات الوقت كانت الدوائر الصهيونية الإسرائيلية, وأعوانها تعمل على تقوية العداوة, وتأجيج مشاعر الغضب ولكنها تفرغت للبناء التكنولوجي, والصناعة العسكرية, وتحسين الاقتصاد وتوفير فرص العمل للشعب, والسيطرة على الاقتصاد الدولي, وتلميع صورة الاحتلال, وتشويه الوجه العربي عالمياً للحاكم والمحكوم وللمعتدل والمتطرف, وتبنت جيشاً قوياً, وتغلغلت في الأحزاب الحاكمة للدول العظمى, وسيطرت على وسائل إعلامها, ولم يفق العرب ويا للأسف إلاّ وهم في الأسلاك الشائكة المحيطة بهم, وعلى أرض مزروعة بألغام الرعب, والتهديد بالغزو والحرب, والإقصاء عن السلطة, وإعادة حكم الانتداب, واستيقظ العرب على حاملات الطائرات والمدمرات العملاقة حول ديارهم تطلب الاستسلام من الإرهابي والمعتدل والمجنون والعاقل, وتحمل تلك القوات المتعجرفة بقيادة إسرائيل قائمة من المطالب التي يأتي أقلها ثمناً هو التسليم الكامل والشامل بدون شروط, ولا مطالب, ولا حوار لتلك القوة الضاربة التي لا قبل لهم بها.
وليس إذاً أمام القادة العرب من خيار آخر ولا بديل نافع ولا صديق حميم, ليس بين الشعوب والقيادات أدنى ثقة ولا اطمئنان, وليس للأنظمة العربية قوة عسكرية رادعة لأي عدوان إسرائيلي أمريكي, وليس لديهم اكتفاء زراعي يضمن لهم لقمة العيش والاستغناء عن الغازي. كما أن الدول العربية لا يثق بعضها في البعض الآخر, وكل نظام عربي يرى أن النظام الآخر دونه وضده, وعداوات "داحس والغبراء" و"عبس وذبيان", لا تنفك عنهم, بل والنظرة الازدرائية السائدة لدى الأنظمة انعكست على المغفلين من الشعوب, والمنتفعين من قربهم من الحكام, حتى أصبح الوضع العربي عبارة عن شراذم وعصابات قُطرية صغيرة مختلفة على درجات الحرارة, ومقياس الطقس, وهلال رمضان, وموعد العيد, وبروتوكولات ومراسيم التوديع والاستقبال وحرس الشرف، في وقت كان الصهاينة قد عقدوا أحلافاً دولية, وبنوا قواعد اقتصادية ودفاعاً مشتركاً, وتكنولوجيا مذهلة.
وهنا لو كان في اليد حيلة للأنظمة العربية لمواجهة التهديدات الأمريكية والإسرائيلية لما ترددوا من استخدامها, ولكنهم في موقف صعب, وفي مواقع لا يحسدون عليها, وليس أمامهم إلاّ المصير المحتوم الذي لا يختلف عليه زعيم مع زعيم, ولا نظام مع نظام, وهو إمَّا مصير صدام حسين بيد أمريكا وإسرائيل, وإما مصير شاه إيران وتشاوشيسكو بيد الشعب, وفي كلا المصيرين زوال عن السلطة وتضحية بالمجد والمال والاستقرار.
وأقل التضحيات في نظر المفاوضين السياسيين هي القضية الفلسطينية, وحركات المقاومة الفلسطينية التي كانت مدعومة من الشعوب والأنظمة العربية, وتعتبر رمزاً لكفاح الأمة, وشوكة قلق لإسرائيل, وإعادة النظر في مسمياتها المتعددة, سواءً حزب الله, أو الجهاد, أو حماس, أو القسام, أو فتح, أو الأقصى أو أو....
المهم أن يعتبر الجميع بإقرار وإصرار أن كل أشكال المقاومة للاحتلال الإسرائيلي إرهاب, وأنَّ المقابل والمجمع عليه أن الاحتلال الإسرائيلي, والعنف الشاروني, والرعب الأمريكي لا يعتبر إرهاباً, بما في ذلك تدمير المنازل واقتلاع المزارع, وإحراق المصانع والدمار الشامل, بل يعتبر قانوناً عادلاً وعملاً مشروعاً, لأنه يأتي مقابل عمل إرهابي يقوم به طفل ملغوم أو آنسة حسناء وجدت نفسها في العراء ورأت والدها مقتولاً, وأمها أسيرة ومسكنها مهدوماً, فكرهت الحياة, وفضلت اللجوء لعمل الإرهاب, وارتكاب جريمة تفجير النفس في وسط القاتلين لأبيها والمحرقين لدارها الساجنين لأمها.
وهذا هو المطلوب الحقيقي من خارطة الطريق أولاً وأخيراً.
مطلوب من الأنظمة العربية والشعوب جميعاً القبول به, وإعلان الحرب على الإرهاب مهما كانت دوافعه وأسبابه.
الجميع يؤيد هذه الدعوة والجميع يبارك الحرب على الإرهاب, ولا يختلف عاقلان على ذلك، لكن الخلاف الحقيقي بين "أبو مازن" رئيس الوزراء الفلسطيني والفلسطينيين هو أن يقابل الامتناع عن إرهاب الإسرائيليين, أمنٌ شاملٌ, وانسحابٌ كامل, لا ألوم الحكام العرب وأتهمهم بالتآمر. ولكن أرثى لحالهم وهم يعلنون عن ضياع الفرص, ويعلنون العجز التام والكامل أمام إسرائيل وأمريكا, وقلوبهم تنتفض من الرعب في صدورهم, حيث لم يعدوا لهذا الموقف الصعب عدته, ولم يحسبوا يوماً أنهم سيغيرون منطقهم, وقناعاتهم, وأثوابهم ووجوههم وقلوبهم لعكس ما عملوا من أجله وعاشوا مدمنين له.
وهم في تلك الأقوال والأعمال يرددون من أعماقهم "مُكْرَه أخاك لا بطل".
والعقل والضرورة يقتضيان اليوم نزع فتيل التوتر بين الحاكم والمحكوم, والظالم والمظلوم, حتى لا تكون فتنة, والقاعدة الشرعية ملاذ آمن وطوق نجاة أخير حين تقول: "حاكم غشوم خير من فتنةٍ تدوم", وفي المثل الشعبي القائل "ما باليد حيلة" خير وسيلة للإقناع والقبول بالأمر الواقع للشعوب العربية طالما لا أمل في العودة إلى سبل السلام.

 
  رجوع 
shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com